على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا إسم مصر عندى أحب وأجمل الأشياء

على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا إسم مصر عندى أحب وأجمل الأشياء

Thursday, June 26, 2008

المختصر في سقوط وسقوط القومية العربية

سقطت القومية العربية أول مرة عام 67.. اكتشف دعاتها أنها هشة واقعيا.. أن قوتها النظرية والفكرية والخطابية لا تعادل حقيقتها على الأرض.. أن كل ما أنتجته من أغاني وأبيات شعر وتصريحات عاطفية مشتعلة لم تقدر أن توحد موارد ملايين من يقولون أنهم عربا ليستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم ضد ما أسموه "الكيان الصهيوني" الصغير المحكوم عليه بالزوال.. سقطت للمرة الأولى يوم اكتشف الملايين أن الأب القوي الواثق من نفسه ليس على ما أوحاه لهم من قوة وبأس.. يوم رأوا دمعة وصفوها بالإباء والشمم تترقرق بين عينيه النافذتين اللامعتين.. سقطت يوم خرج ملايين العرب يصرخون يطالبون أسدهم الجريح بالبقاء.. اكتشفوا يومها أنهم عاجزين سليبين الحيلة معتمدين عليه وعلى أبوته ولا يقوون على مواجهة الحياة بأنفسهم.. شعروا أنهم ناقصون ولا يكتملون إلا به وبعينيه.. سقطت يوم انهارت أمام أعينهم أحلام التقدم والتحديث والتصنيع والاستقلال والوحدة والكرامة والعلم.. مات العقل وانتحر المنطق

كان يمكن عام 67 أن نتحدث عن "عرب" و "شعب عربي".. لم يكن صوت عبد الناصر وحده هو ما يجمع هؤلاء.. لا.. ولا تنهيدات أم كلثوم وعبد الحليم فقط.. كان هناك حلم حقيقي جمع ملايين البشر قاطني المنطقة التي تتحدث العربية.. حلم بما افتقدوه طوال قرون الخضوع والاحتلال والسيطرة العثمانية البغيضة.. حلم يعوضهم أهوال ما فُعِلَ بهم من القوى الاستعمارية بعد حرب العالم الأولى ثم الثانية.. أولى قسمتهم ومزقتهم وعاملتهم كبشر افتراضيين لا يوجدون إلا فوق الخرائط يتقاذفها دبلوماسيو أوروبا، ثم حرب ثانية خلقت بينهم كيانا غريبا عنهم غاصبا لأرضهم

العروبة .. أو "الأمريكية" (نسبة لأمريكا اللاتينية وليس الولايات المتحدة).. أو أي قومية في الدنيا وعبر التاريخ.. هي ليست بالضرورة رابطة دم وجينات.. هي رابطة حلم ومكونات ثقافة قبل أي شئ.. وهي بدون تعبير سياسي واقعي عنها لا تساوي شيئا.. العروبة خلقت في الشام كرد فعل على التتريك الذي أعقب قيام تركيا الحديثة بعد الحرب الأولى.. ثم تلقفها جمال عبد الناصر وآمن بها مثلما آمن في نفسه.. لتلهم الملايين وتكتب فصول عقود عديدة من تاريخ القرن العشرين وتاريخ المنطقة

في 67.. سقطت على الأرض القومية العربية أو فكرة العروبة.. ودفع الشعور بالنقص والذل العرب لأن يبحث كل في طريقه عن ما يعوضه ويخفف عنه آلام الفطام.. الفطام من الأوهام التي بنيت بالألفاظ والبلاغات وافتقدت لأدنى مقومات الحياة

ترسخ سقوط القومية العربية عام 77

عشر سنوات مضت بعد 67.. كانت كافية لتراجع مصر نفسها.. وبقوة رد الفعل.. وتحت تأثير الهزيمة وخيبة الأمل.. وجد العرب رئيس مصر يزور ذلك الكيان الذين استمروا ينادونه بالكيان الصهيوني.. وكأن تزييف الواقع يغيره فعلا.. كأن تجاهل حقيقة أن هناك فعلا دولة تنال اعتراف معظم العالم اسمها إسرائيل سيجعل هذه الإسرائيل فعلا غير موجودة وبلا قيمة.. يوم زار السادات القدس تلقت القومية العربية التي كانت طريحة الأرض طعنة نجلاء في القلب.. زادت الدماء واشتد النزيف

ماتت القومية العربية يوم 2 أغسطس 1990.. حتى أعتى القوميين الذين ظلوا على دينهم أعلنوا تلك الوفاة في ذاك اليوم.. يوم شاهدوا بلد عربي يحتل بلد عربي آخر.. يوم شاهدوا دبابات العرب تسحق العرب.. يوم عرفوا أنه لن تكون هناك حرب أبدا مع إسرائيل.. فالعرب سيحاربون بعضهم وسيمزقون بعضهم وسيأكلون لحم بعضهم ميتا.. وإسرائيل ستكون أكثر أمانا مع هكذا عرب.. ماتت العروبة وأعلن هذا الموت بقدوم جيوش الدنيا من جديد لمنطقتنا

ومن تاريخه وساعته ولا يوجد نظام عربي.. يوجد فراغ رهيب في تلك المنطقة ينادي كل القوى الجائعة استراتيجيا واقتصاديا.. أيضا توجد قوى ثلاثة – غير عربية – على الحدود الخارجية للعالم العربي الحزين تتربص وتتحين الفرص للانقضاض النهائي.. إيران من الشرق وتركيا في الشمال وإسرائيل في القلب

هرب العرب وأنظمتهم للبديل الموضوعي للمشروع القومي.. المشروع الخرافي الآخر.. فالعرب باتوا يعشقون كل المشروعات القومية الخرافية.. المهم في المشروع ألا تكون له صلة بالواقع.. ألا يكون ثقيل الظل مثيرا للآلام.. أن يكون مخدرا لذيذا مساعدا على النوم والنسيان.. أن يكون مليئا بالأساطير والأحلام والأوهام.. أن يكون فيه عبد الناصر فإن تعذر فصدام حسين فإن لم يمكن فيمكن الاكتفاء بحسن نصر الله أو حتى اسماعيل هنية.. أن يكون معاديا لأي عمل جدي حقيقي وأي رؤية واضحة.. أن يكون مخاصما للكلمات القبيحة مثل العلم والعمل والتقدم والحرية والديمقراطية والنور والأنوار والتنوير.. النون والراء يذكران العرب بالنار وبئس المصير

ازدهر المشروع الخرافي المسمى كذبا بالإسلامي أو الديني.. ازدهر وملأ دنيا العرب وشغلهم ودروشهم ومشيخهم ووهبنهم ووعممهم وحجبهم ونقبهم

ولازلنا نتفرج على فصول مسرحية العرب

ولا ألوم الشعوب العربية.. وأؤمن أن أي شعب آخر كان سيسلك نفس طريقهم لو تعرض لذات الظروف

ولا ألوم الحكام العرب الحاليين والسابقين.. فهم أبناء هذه البنية الاجتماعية وهم إفراز الشعوب

ألوم النخب العربية التي برعت في الاختلاف وفشلت في أن تضع لنفسها ثلاثة أهداف فقط تلزم نفسها بتحقيقها خلال جيل أو جيلين

ألوم الشعراء العرب والكتاب العرب والمفكرين العرب والفنانين العرب والمثقفين العرب

ألوم كل من تعلم القراءة وعرف الكتابة.. فلم يقرأ ولم ينقل النور للعقول مزيحا أستار الظلمة الموحشة

ألوم كل من هلل للهزيمة وكل من بررها وكل من نظَّرَ لها وفلسفها

وأول من ألوم: نفسي

__

هذا المقال نشر من قبل في مجلة مصر الجديدة (عدد يونيو 2008)

http://masrelgedeeda.blogspot.com/

5 comments:

Wandering Scarab said...

أحب أضيف نقطة على اللي إنت قولته.. اللي مخلي دول الغرب متقدمة كمان إنه مفيش حد بيمسك الحكم أكتر من فترتين و بالأخص لو كان إرتكب جريمة أو حصل إهمال كبير في شغله بيتشال بعكس في الدول العربية كل واحد متبت في الحكم بقاله أكتر من 20 سنة. حكام الدول العربية ذلين الشعب و كتر الإهانة والذل بيولد حقد و تحجر مشاعر و تعصب في الافكار و يبقى شايف يا إما أبيض أو اسود و أي حاجة تانية تبقى غلط. و في مصر اللي يغلط يغلط واللي سايب شغله واللي بياكل في لحم غيره.. ربنا يلطف بمصر في الايام اللي جاية دي.. أصل دة زمان اسود اللي احنا فيه.. أنا شايفة إن الأمة الإسلامية عموماً بتمر بنفس اللي مرت به أوروبا في العصور الوسطى.. و ربنا يستر.

البلوج ممتع و اسلوبك في الكلام بسيط و متحضر جداً

Fantasia said...

حمدا لله على عودتكم إلى عالم التدوين يا استاذي العزيز.. لقد افتقدنا كتاباتك كثيرا وتركت فراغا لم يستطع أحد أن يملأه.. فاسهامكم الفكري والمعرفي المتميز له طابع نادر نفتقده بشدة في فضاء التدوين

ورغم أنك كنت تخص مجلة مصر الجديدة الالكترونية بنشر أعمالك، وهو ما تتشرف به المجلة حقا، فأننا كقراء طامعين في المزيد من ابداعات قلمكم الجاد ورؤيتكم الفريدة

ليس سهلا علينا أن نعترف بسقوط المشروع القومي العربي، ولكن تأجيل اعلان وفاة هذا الحلم انما هو يزيد من حجم المأساة ويغلق الباب أمام الأمل في سد هذا الفراغ الذي اشرتم إليه ويترك الساحة خالية أمام موجات الدجل السياسي باسم الدين

عود حميد يا أستاذنا الفاضل

human said...

ومازالت تواصل السقوط
ولا اعلم اين تتوقف
من الواضح ان القومية الاسلامية ستلتهم العربية

Anonymous said...

عزيزي أناتوميست

أتفق في أغلب ما ذكرت و لي بضع ملاحظات خلافية

دعنا أولا نتفق على بضع نقاط:

أولا أن المشاريع السياسية الكبرى دائماً ما تكون الغطاء البراق لأهداف اقتصادية أو أمنية و ليست عاطفية

فمثلاً الخلافة الإسلامية هي سلطة امبراطورية تقاتل عليها المسلمون لما فيها من منافع و ليس لحب الله و الرسول

و كذلك الحال بالنسبة للعروبة فهي غطاء استخدمته مصر للقيادة ثم استخدمته العراق و سوريا و ليبيا

و كذلك الحال للدين في يد مملكة الشر الشرقية

إذن فرؤية العروبة من زاوية العوام تختلف عن رؤيتها من زاوية الصفوة

ثانياً بالتأكيد سقطت القومية لكننا نحن من أسقطناها بجهل و اندفاع دون أن نعي أن سقوطها يعني تخلينا عن الزعامة بشكل طوعي كوننا لا نمتلك البديل المقنع لقيادة المنطقة

ثالثاً نحن جزء من جغرافيا تحتوينا و تتفاعل معنا لا نقدر أن نغيرها فنحاول قيادة دول غير تلك المحيطة بنا و لا نحن دويلة أو إمارة يسهل على الآخرون قيادتها بمشاريعهم

كان السادات و من خلفه مبارك يعتقد أنه يستطيع أن يقود دول المنطقة بصفته الوكيل المعتمد لأمريكا في المنطقة لكنهما لم يفلحا في ذلك و تفوق المشروع الديني

تحياتي

egy anatomist said...

السيدات والسادة

أستفيد من قراءة تعليقاتكم بأكثر مما تتصورون.. شكرا جزيلا

..

تحياتي واحترامي