على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا إسم مصر عندى أحب وأجمل الأشياء

على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا إسم مصر عندى أحب وأجمل الأشياء

Monday, November 10, 2008

في بحث أسباب التخلف المصرى

والتخلف يعني تدني القراءات التنموية المصرية في معظم المجالات؛ بمعنى تدني مستوى دخل الفرد المصري، وتدني مستوى تعليمه، وتدني مستوى صحته، وتدني مستوى الخدمات العامة التي تقدم له، وتدنى مستوى مشاركته في السياسة وصنع القرارات التي تمس مصيره، وتدني مستوى حرياته السياسية والاجتماعية، وكذا مستوى حرياته الدينية بالنسبة للبعض، وتدني نصيب مساهمة المصري في الانتاج الصناعي الحديث، وتدني انتاجه الفكري والثقافي، وتدني روحه المعنوية ورضاءه عن بلده بل وعن حياته بأكملها.


وتتعدد الآراء في تحليل أسباب المشكلة؛ فنظام الحكم – ديكتاتوريته وفساده تحديدا- متهم أساسي في أغلب الأحوال. وأمريكا وإسرائيل والقوى الإمبريالية لا يغيبون عن الصورة. والثقافة المصرية – في وجهها العربي المسلم – هي السبب المفضل عند المفكرين العلمانيين أو أغلبهم. وعبد الناصر مجرم رئيسي عند كثيرون. والسادات مخرب عظيم عند عدد غير قليل. وغير ذلك كثير ومتعدد من الأسباب والمسببات والحكايات وبعض الأساطير.


إذن، فالحوار دائما يدور حول ثلاثة اتجاهات رئيسية. السياسة والاقتصاد والثقافة. فالسياسة أحيانا هي سبب تخلفنا (غياب الديمقراطية والقهر السياسي والفساد الخ الخ)، أو الاقتصاد (تطبيق الرأسمالية وتخلي الحكومة عن الشعب وبيع القطاع العام الخ الخ)، أو الثقافة (البعد عن الدين من وجهة نظر البعض أو كثرة التشدد والتطرف الديني في رأي البعض الآخر أو انحطاط الذوق العام وتدنى المستوى الثقافي المصري عموما، أو ما يراه البعض من طبيعة مصرية خاصة تتسبب في التخلف وتكرسه، الخ).


ويبدو أن المصريين، عموما، يعتقدون أن من بين ما سبق، فإن غياب الديمقراطية، والفساد الاقتصادي في أعلى السلطة، هما أهم سببين للتخلف المصري.


ولمعرفة الأسباب الحقيقية لهذا التخلف، من وجهة نظري، يجب تطبيق بعضا من المنهج العلمي الذي تقدمت به الدنيا شرقا وغربا، وظل غريبا عن ثقافتنا، منبوذا فيها، مطاردا، شريدا. فيجب بداية أن نفرق بين السبب والنتيجة، بين الأصل والفرع، بين المرض والعرض.


ففي رأيي أن غياب الديمقراطية وانتشار الفساد السياسي والاقتصادي ليسا أسبابا حقيقة للمسألة المصرية. بل أنهما أعراض أكثر منهما أمراض. وأنهما – وإن تسببا ويتسببا في العديد من الكوارث – إلا أن إزالتهما تماما من الصفحة المصرية لن تؤدي إلى إزالة التخلف المصري.


لنتخيل مصر شخصا مريضا. فهو يعاني من العديد من الأعراض والظواهر. وكل عرض يعاني منه يسبب بدوره أعراضا أخرى، والطبيب قد يتوه بين الأعراض المتعددة فيغفل عن الفيروس الأصلي المسبب للمرض، وبالتالي فإنه يركز على إزالة أحد الأعراض – القضاء على الفاسدين مثلا أو تغيير نظام الحكم – فيفاجَئ بنظام حكم أسوأ أو بطبقة مسيطرة أكثر فسادا، حيث أن السبب الذي يفرز هذه العفانات مازال حيا يرزق.


فما هو السبب أو الفيروس المصري؟


يقول المصريون عن مصر أنها تختلف عن كل البلاد الأخرى. يعتقدون أنها متفردة في كل شئ.. أنه ليس كفرحها فرح ولا كحزنها حزن.. أنها وحيدة في مشكلاتها وهمومها.. وأن ناسها متفردون فرادة نيلها وأهراماتها..


وفي الحقيقة.. مصر ليست متفردة كما نحب أن نفكر فيها. وإن كانت متفردة، فإنه تفرد بقدر ما أن كل بلد في العالم متفرد وله خصوصيته وظروفه. كما أنها ليست حالة خاصة بين بلاد العالم وخلق الله. وما جرى على دول الدنيا ينطبق على مصر، وغيرها من بلاد العرب التي تمر بنفس التخلف والتأخر عن موجات التقدم المتلاحقة.


ولكي أوضح سبب المسألة المصرية، أستميح القارئ عذرا في ممارسة بعض التخيل مجددا.


لنتخيل المجتمع – أي مجتمع بشري – عبارة عن أسرة واحدة مكونة من زوج وزوجة. الزوج يمتهن السرقة والزوجة تمتهن البغاء. السرقة والبغاء هما الوسيلتان اللتان يتحصل بها هذا المجتمع على رزقه ومنهما يقتات ويعيش ويحيا. إذن فهذه هي وسائل الإنتاج المتاحة لهذا المجتمع أو لهذه الأسرة. هذا هو نظامه الاقتصادي.


هل لنا الآن أن نتخيل شكل العلاقات بين طرفي هذه الأسرة؟ بين الحرامي والعاهرة؟ لا شك أن النظام الذي يديرون به أمورهم ويسيرون به شؤونهم سيكون متأثرا بشكل حاد بوظائفهم. فهذا النظام ولا شك سيكون شديد البراجماتية والغائية، بمعنى أن الغاية تبرر الوسيلة بامتياز. كما أن علاقاتهم الخارجية ستكون متقاربة مع نظرائهم من اللصوص والعاهرات أكثر مثلا من الأطباء والمحامين. كما يمكن أن نتخيل أن اللغة السياسية بين هذا الثنائي ستكون منحطة بعض الشئ، متدنية كثيرا. وفي نفس السياق لا يمكن أن نتصور أي نوع من الديمقراطية في إدارة شؤونهما، إذ سيسود الأقوى والأكثر مالا منهما ويسيطر على الآخر. هذا إذن باختصار هو شكل النظام السياسي لهذا المجتمع/الأسرة.


هل لنا الآن أن نتخيل ثقافة هذا الثنائي؟ لا شك أنها ستكون ثقافة غوغائية، طفيلية، متسلقة. لا شك أنهم سيعشقون أسوأ ما في الفن وأحطه، وسيُعرضون عن أي نوع من الثقافة المعقدة الراقية. لا شك أنهم لن يستطيعوا أن يقدروا قيمة لوحة فنية جيدة، أو عمل سينمائي يناقش فكرة فلسفية أو اجتماعية عامة، ولا شك أنهم سيكرهون القراءة ويلعنون المدارس التي تفسد الناس. هذه هي الثقافة.


طيب، لو تحول هذا الثنائي إلى مهندس وطبيبة مثلا. أو محاسب ومدرسة. هل ستختلف الطريقة التي يديرون بها أمورهم (السياسة) والوسائل التي يعبرون بها عن مشاعرهم وأحاسيسهم ( الثقافة) ؟ لا شك أنها ستختلف اختلافا جذريا. ولا شك أن المهنة تخلق ممتهنها. وأن أغلبنا لا يختار المهنة التي يمارسها. ولكنها تصنع كل مستقبله وثقافته وسياسته ومصيره.


فمن المحتم أن طريقة الانتاج التي تسود في مجتمع ما تخلق علاقات اجتماعية (سياسية وثقافية وغيرها) متأثرة بهذه الطريقة ومتشكلة على نسقها. فالمجتمع الذي يعتمد في تحصيل رزقه (دخله القومي) على أدوات العلم الحديثة (مصانع، ماكينات، أجهزة كمبيوتر، ليزر، نظم اتصالات، هندسة وراثية) يختلف كثيرا عن المجتمع الزراعي مثلا، أو التجاري، الخ، ويظهر الفرق بين هذه المجتمعات في طبيعة النظم السياسية السائدة فيها، فضلا عن الثقافة العامة من قيم وعادات وتقاليد وآراء وفن الخ.


وإذا ذهبنا للحديث عن مصر تحديدا، فإنه يمكن تشبيه مصر بأسرة مكونة من عشرة أفراد. الأب والأم فيها يمتلكون قطعة أرض موروثة عن الأجداد تدر عائدا ضعيفا. الأب والأم يستعينون بالإبن الأكبر ليساعدهم في تحصيل عائد قطعة الأرض الشهري وتوزيعه على الإخوة السبعة الآخرين الذين لا يعملون تقريبا. يتظاهرون بالعمل كل يوم. يخرجون ويذهبون ويعودون كأنهم يعملون، بينما هم في الواقع لا يعملون إلا الخروج والدخول والهيصة الكدابة. الإخوة يصرخون كل شهر وقت التوزيع شاكيين قلة الإيراد أمام متطلبات الحياة التي تغلو باستمرار. الإيراد يسرق جزء كبير منه الأخ الأكبر، كما تقتطع منه الأم جزءا لشراء بعض احتياجاتها الشخصية بعيدا عن قبضة الأب الحديدية. الأب يسرق أيضا بعض نصيب الأبناء لزوم مزاجه الشخصي. هذا هو النظام الاقتصادي المصري عبر التاريخ.


من هذا النظام تولد السياسة. الأب والأم – حتما – سيحكمون هذه الأسرة بالديكتاتورية والنار والحديد. الأب والأم (النظام السياسي) سيبررون هذا الحكم بالعديد من الوسائل مثل الدين (أن الأب رجل مصلي يعرف الله مثلا) أو الحكمة (الأب جنَّب الأسرة العديد من الكوارث التي وقعت فيها الأسر المجاورة)، أو الصراع ضد الأسرة الكبيرة في الشارع المجاور التي تريد أن تحتل منزل أسرتنا.. الخ.. الخ. سيكون حكما لا يعرف للديمقراطية طريقا مهما طالب بها الأبناء. سيحاول الأب – لإسكات ضغط الأبناء وصراخهم – إيهامهم أنه يشركهم الآن في شؤون الأسرة وأنهم أصبحوا صناع قرار، وسرعان ما يكتشف الأبناء السبعة أنهم – مثلما كانوا عبر تاريخهم – متفرجين على الهامش، وأن الأب والأم (النظام السياسي) والإبن الأكبر (الحكومة وأجهزة الأمن) يستحيل أن يفوضوا جزءا من سلطاتهم لأي من كان طالما ظلت وسائل الإنتاج (قطعة الأرض) في أيديهم. نستطيع الآن أن نعرف أن الأب سيفضل أن يرثه في الحكم إبنه الأكبر وكاتم أسراره وسط صياح الكتاكيت الصغار ورفضهم غير المؤثر. هذا هو النظام السياسي في مصر عبر تاريخها ولو تعددت الأشكال وتغيرت الصور وتبدلت الأسماء ما بين إمبراطورية وخلافة وسلطنة ومملكة وجمهورية.


الثقافة تابعة للاقتصاد مثلها مثل السياسة. هذا لا ينفي أن كل من السياسة والثقافة يؤثران أيضا في واقع المجتمع. التبعية تعني أن ملامح النظام السياسي وملامح الثقافة السائدة في المجتمع تتحدد وفقا لخصائص النظام الاقتصادي المسيطر وطريقة الانتاج المتبعة. تدور ثقافة هذه الأسرة كما نقدر أن نتصور حول عبادة الفرد. الأب يغذي الشعور الديني في أبناءه، رابطا بشكل ضمني وغير مباشر بين عبادة الله في السماء وتقديسه هو – الأب - في الأرض. فلا حياة تستقيم بغير وجود هذا الأب الضامن لحياة أبناءه. الأبناء، الذين لا يعملون ولا ينتجون شيئا ولا يدخلون في صراع مع الطبيعة لتحويلها لأشياء مفيدة، يعانون من مشاكل الفراغ وعدم تحقيق الذات، تزداد دروشتهم واقبالهم على الحشيش والحريم، يتظاهرون بالتدين الشكلي يخبئون به خيبتهم وعجزهم واحباطاتهم. يعشقون النكتة يتخففون بها من شعورهم بالقهر والقمع الذي يمارسه الأب والإبن الأكبر. تسود ثقافة منحطة فاسدة منعدمة المنطق بين هؤلاء الإخوة الذين يتزاحمون ويكيدون لبعضهم أملا في الحصول على نصيب أكبر من الريع. هذه هي ثقافة مصر، وإن جرحت الكلمات وقست.


وبدلا من أن يفهم الأبناء السبعة أن مشكلتهم كلها تنحصر أساسا في النظام الاقتصادي المتخلف، الذين يعيشون عليه ومنه، فيعملون على تغييره لنظام آخر، يغير بالضرورة سياستهم وثقافتهم، نجدهم يطالبون – فقط – ببعض العدالة في التوزيع. يطالبون بتغيير الأخ الأكبر (الحكومة) الذي استأسد عليهم وأن يحل محله آخر من بينهم. يستجيب الأب أحيانا ويختار واحدا آخر من أبناءه ليساعده في تدبير شؤون الأسرة، ولكن سرعان ما يتحول الأخ الذي يصبح في مكان الأخ الأكبر لنسخة طبق الأصل من سابقه. يتطور الأمر ليثور الأبناء مرات على الأب نفسه ويزيحونه من القمة، يقررون إقامة حكم ديمقراطي من بينهم. مرة أخرى، يتفرعن هذا الحاكم الجديد ويستعيد سيرة الأب ويحذو حذوه. هذه هي طبيعة الأمور في مصر، تحتمها وتفرضها ضرورات الاقتصاد وخصائصه.

النظام الاقتصادي الريعي السائد في مصر منذ آلاف السنين يخلق سياسة فرعونية مركزية ديكتاتورية وثقافة خانعة خائفة مستكينة.


النظام الاقتصادي المصري يميل تاريخيا للاشتراكية ويكره الرأسمالية. يميل للتنميط ويكره التفرد. يميل للتكرار ويكره الإبداع. يميل لحكم الفرد ويكره التعدد. يميل للرأي الواحد ويكره الاجتهاد.


تحدث بلا شك انعطافات وتغيرات. تحدث ثورات وتبدلات في نظام الحكم والنظام السياسي ولكن سرعان – سنوات قليلة – ما تعود المياه المصرية إلى مجاريها الأزلية.


تغيير النظام الاقتصادي المصري – عن طريق تصنيعه وإدخاله عصر الرأسمالية الصناعية ثم الرأسمالية المعلوماتية – هو الطريق الوحيد – أكرر الوحيد – لإحداث التغير المنشود في السياسة والثقافة المصريتين.

أضحك ملء الفم من مطالب بالديمقراطية في السياسة والاشتراكية في الاقتصاد في نفس الوقت. الاشتراكية لا تنتج ديمقراطية ولا حرية. لم يحدث عبر التاريخ ولن يحدث. التناقض بينهما مثل التناقض بين سالب وموجب المغناطيس.

أضحك ملء الفم من مطالب بالديمقراطية في السياسة وتطبيق الشريعة الإسلامية في السياسة أيضا. كمن يقول أنه يريد نظاما اشتراكيا رأسماليا، أو نظاما مدنيا عسكريا.


لا ينخدعن أحدكم في التحولات الاقتصادية الجارية في مصر خلال السنوات الأخيرة أو إذا شئت فقل منذ عام 1974 عام بداية الانفتاح الاقتصاد المصري. إسمع يا سيدي: الاقتصاد المصري – حتى تاريخه – لم ينفتح بعد. الاقتصاد المصري مازال يميل للاشتراكية والمركزية والريعية. مازال ثلث – أو أكثر – القوة العاملة المصرية تعمل بالحكومة (عفوا هي لا تعمل) وتتحصل على العائد الشهري من الأب. مازالت معظم وسائل الإنتاج في يد الدولة. وبالتالي فستستمر ديكتاتورية الدولة طالما استمرت سيطرتها على الاقتصاد.


يا مصريين: لكم في دول شرق أوروبا أسوة حسنة. لكم في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا أسوة حسنة. لكم في أمريكا اللاتينية أسوة حسنة. كل هذه الدول غيرت نظامها الاقتصادي وانفتحت انفتاحا كاملا على العالم ورحبت بالعولمة الاقتصادية وحدثَّت اقتصاداتها ولم تنشغل عن هذا الهدف بغيره. والنتائج؟ السياسة تتغير في هذه الدول. مزيد من الحريات والديمقراطيات (غصب عن عين أي حاكم) مزيد من التقدم الاجتماعي. مزيد من السعادة لشعوبها. مزيد من الثقافة الرفيعة. مزيد من كل شئ حسن وقليل من كل شئ سئ.

Sunday, September 28, 2008

جمال عبد الناصر

لا أعرف لمتى سنظل كارهين للتفكير العقلاني البعيد عن العاطفية والمشاعر. لا أعرف لمتى سيظل إسم جمال عبد الناصر يُسبب حساسية هيستيرية عصبية سوءا بسبب (الحب) أو (الكره)، وهما العاطفتان المفترض ألا يكون لهما مكان في تحليل أو فهم الأمور.

ومحاولة للابتعاد عن الشحنات العاطفية المكثفة المرتبطة دائما باسم عبد الناصر، سأتخيل نفسي محللا سياسيا من الدولة (س ص) في الكوكب (و ي) القابع في مجرة (سكة السلامة) التي يفصل بينها وبين مجرتنا الحبيبة (درب التبانة) 52 مليون سنة ضوئية. وسأفترض إنني في مهمة علمية بحتة تهدف لتقديم إطار تحليلي شديد الاختصار لكائن أرضي اسمه جمال عبد الناصر، حكم دولة على نفس الكوكب اسمها مصر حتى وفاته عام 1970 بالتقويم السائد على هذا الكوكب.

فيجب أولا الاتفاق على أن ليس معنى تفسير سياسة معينة لعبد الناصر أن يُحسب الغرض من هذا التفسير تبريرا وتبريئا. وليس معنى توضيح عثرات الرجل وأخطاءه أن يُحسب الغرض من هذا تشويها وتآمرا أجنبيا.

هو مجرد تحليل.. وهي مجرد رؤية: تتحرى البعد عن العواطف بقدر ما هو ممكن لمخلوق فضائي ليس من كوكبكم.

..

دائما يتردد هذا السؤال: ماذا بقى من عبد الناصر؟

وفي رأيي.. هذا هو أهم ما بقى من جمال عبد الناصر:

..

أول ما بقى من عبد الناصر أن مصر لا – ولن – تقع تحت احتلال أجنبي عسكري مباشر. وأن مصر أصبحت للمصريين، يفعلون بها ما شاءوا.

فلا جدال حول حقيقة بسيطة وواضحة:

كان ممكنا بالفعل أن يخرج الإنجليز من مصر بدون ثورة أو انقلاب أو حركة يوليو (سمها كما تشاء)، ولكن كيف كانت ستخرج الأسرة الحاكمة غير المصرية؟

أخرج هذا العمل الثوري (الثورة أو الانقلاب أو الحركة أو الوثبة أو العفريت) الذي حدث في 1952 كل ما هو غير مصري من مصر.

إذن.. فأول ما بقى من ناصر هو مصر مصرية. مصر تبدأ طريقا جديدا نحو حكم نفسها بنفسها، دون مشاركة من انجليز أو قصر أو غيره، وهو ما لم يحدث عبر تاريخها.

إقرأ كلمات الدكتور جورج قرم في كتابه (انفجار المشرق العربي) عن ناصر:

"جمال عبد الناصر هو ابن لشعب مصر المتخم بالذل، والمصعوق بالفقر عبر آلاف السنين، هو أول حاكم مصري لشعب مسخر منذ سنوات وسنوات لخدمة السلالات الملكية الأجنبية."

أهم ما يجب أن يفهم عن ناصر هو شعوره الهائل بإهدار الكرامة. شعوره بهوان مصر وشعبها على الدنيا. كانت هذه من أهم النقاط التي لا تُفهم شخصية ناصر بدونها. الكثير من تصرفاته وقراراته نتج عن شعوره العميق بالإهانة من الغرب ورغبته في تحديه. في كل الأحوال ليس هذا معرض تحليلنا الآن، وله مجال آخر.

..

ثاني ما بقى من ناصر، هو النظام السياسي الذي ابتدعه وأسسه وسهر على تكوينه وتدعيمه. نظام الحكم السلطوي الشمولي الشخصي القائم على حكم فرد رجل واحد.

لن أناقش لماذا اختار ناصر – أو اختير له قدرا – هذا النوع من نظم الحكم. هناك العديد من الأسباب التي حللت هذا التوجه. أركز فقط على أن جمال عبد الناصر هو مبدع النظام السياسي الذي مازال يستمر بين ظهرانينا حتى ساعته وتاريخه.

لم يتغير نظام ناصر حتى الآن. أرجوكم. لا يعني هذا مسؤولية ناصر أو عدم مسؤوليته. المشكلة ليست في تبرئة ناصر أو إدانته. المشكلة في إنقاذ وطننا مما هو فيه. ولا سبيل لهذا إلا بفهم ما جرى وما يجري وما سيجري بعقول باردة.

صفى عبد الناصر كبار معارضيه السياسيين. أزاحهم واحدا بعد واحد. فَصَّل الدساتير المناسبة لتحقيق أهدافه السياسية. اختار العديد من السياسات التي لا فائدة منها إلا تدعيم النظام وترسيخ أسسه تحت الأرض. اختلط أمن النظام بأمن مصر كثيرا، واختلطت مصر نفسها بناصر حتى باتا شيئا واحدا، وأصبح ما يثير غضب ناصر شخصيا يستدعي أن تغضب مصر كلها. أفرغ عبد الناصر السلطتين المنافستين له في الحكم من كل قوة وبأس. جعل البرلمان مبصمة والقضاء بارافان. سيطر بقبضات ثلاث على كافة أوجه الحياة في مصر: قبضة أمنية ثقيلة، وقبضة سياسية منافقة، وقبضة أيديولوجية لزجة.

أفسد النخبة السياسية بالجزرة مرة وبالعصا مرات. بعد ناصر استخدم مبارك الجرزة مرات أكثر وقلل من استخدام العصا. ساعد أيضا من تقليل استخدام العصا مع النخبة أن هذه النخبة ذاتها تعلمت وتطورت عبر سنوات التسلط والقهر فصارت أكثر ليونة وتكيفا مع نظام الحكم.

كل هذا بقى حتى اليوم، مع الكثير من التفاصيل والتحورات. لا يعني ما سبق أن ناصر مسؤول – بعد وفاته – عن استمرار نظامه السياسي. هذا خارج إطار التحليل.

بلا شك أن هناك علاقة ما بين الثقافة الاجتماعية السائدة في مصر – والعالم العربي – وبين النظم التسلطية الشخصية السائدة في هذا العالم العجيب. لا شك أن كل من ناصر والسادات ومبارك هم جميعا نتاج للبيئة المصرية والعربية والإسلامية التي أنجبتهم وأنجبت غيرهم وأنجبت أيضا الشعوب التي لا تتحدى هكذا أنظمة وتقدم أمامها من الصبر والخضوع ما يغري ويزين ويبرر الاستمرار.

هذا هو إذن أهم ثاني تركة ناصر: نظام سياسي سلطوي فاسد سياسيا، مستبد، قائم ويدور حول شخص واحد: رئيس الجمهورية.

..

ثالث ما تركه ناصر في رأيي، هو الاعتزاز المصري بالهوية المصرية الحديثة.

فالهوية المصرية منقطعة الاتصال منذ الغزو العربي لمصر عام 640م، والمصريون تائهون عن أنفسهم منذ قرون. أعاد عبد الناصر – بلا شك – الشعور العام لكل مصري ببعض الفخر لأنه مصري. المكانة التي تمتع بها الرجل دوليا وعربيا، جعلت المصريين يفخرون – وقتها – بأنهم من عصر جمال عبد الناصر، وبعد وفاته تبقى ذلك الشعور النوستالجي بأن (مصر عبد الناصر) هي مصر كريمة أبية عزيزة. سواء اتفق الجميع على صحة المقولة السابقة أو خطأها فلا شك أنها تمثل شعورا جماعيا عاما وسط المصريين.

..

رابع ما تركه ناصر وبقى حتى الآن: فشل التنمية الاقتصادية بكل صورها.

فالنظام السلطوي الناصري – المستمر حتى اليوم – هو نظام غير تنموي ولا يمكن أن تتحقق منه تنمية اقتصادية/اجتماعية حقيقية لمصر.

السبب في هذا واضح: النظام السياسي المصري – منذ ناصر وحتى الآن – يفتقر إلى شرعية القبول العام. تمتع ناصر وحده بهذه الشرعية ولكنه لم يكن مسؤولا أمام الشعب، ولكن لم يتمتع لا نظام ناصر ولا مؤسساته بأية شرعية سياسية. وبالتالي فإن قرارت الاصلاح الاقتصادي الخطيرة والجادة التي يجب أن يتخذها أي نظام من أجل تحقيق نقلة نوعية حقيقية في الاقتصاد والمجتمع كانت دائما تتعطل ولا تُتَخَّذ.

الموضوع ببساطة أن النظام الناصري (بمعنى النظام السياسي القائم من يوليو 52 وحتى الآن) يحتاج لكي يستمر إلى شراء الولاء السياسي له؛ ولاء النخبة السياسية، ولاء البيروقراطية، ولاء الشعب.

ولشراء هذه الولاءات باستمرار، وبالتالي ضمان استمرار بقاء النظام، يجب أن تتولى الدولة مسؤولية تشغيل وتسكين وتعليم وتطبيب الشعب، بحيث يعتمد الشعب على هذه الدولة فلا يخرج من تحت عباءتها ولا يستقل عنها، وبالتالي يقبل بالنظام السياسي القائم – احتياجا - حتى ولو كرهه وأيقن من فساده.

المشكلة أن أي إصلاح اقتصادي حقيقي يجب أن يبدأ من إعادة توزيع موارد الاقتصاد بشكل يتسم بكفاءة ورشادة، ولكي يتم هذا فيجب غلق الصنابير التي ينفق منها على شراء الولاءات ودفع رشاوي الصمت (النخبة تأخذ نصيبها مناصب وتسهيلات وعلاقات، والشعب يأخذ دعم عيني)، فإذا ما أُغلقت الصنابير فإن الولاءات للنظام ستتبدد، وبما أن النظام ليس له قاعدة شرعية سياسية انتخابية، فإن تبدد هذه الولاءات المشتراة يقضي حتما بزواله، وبزوغ نظام ديمقراطي لا يكون محتاجا لدفعه الرشاوي.

وبالتالي، فبسبب رفض النظام السياسي المصري (1952-الآن) أن يتخلص من طابعه السلطوي الفردي، فإنه عاجز حتى النخاع عن تبني إصلاحات اقتصادية جذرية تنقل مصر لمصاف الدول المتقدمة على غرار دول شرق آسيا.

المفارقة الغريبة أن الوحيد الذي كان يستطيع أن يحقق معادلة النمو والتنمية الاقتصادية السريعة مع الحفاظ على الطابع السلطوي لنظامه كان هو ناصر نفسه. السبب في هذا هو أنه كان يقدر أن يتخذ القرارات الجريئة المطلوبة، معتمدا على شرعيته الشخصية وجاذبيته الكاريزمية. لكن ناصر لم يفعل. لماذا؟ مجال يطول شرحه.

..

خامس ما تركه ناصر حتى الآن، هو بناء معايير عالية المستوى في مجالات الفكر والفن والثقافة (التي أحبها ناصر واهتم بها) نقيس عليها تردينا الحالي في هذه المجالات.

فلا شك أن عبد الناصر كان يقرأ. وكان يحاول تثقيف نفسه بقدر الإمكان. وكان يعشق الفن والفكر ويخشاهما في ذات الوقت. ولا شك أن مصر الستينات أنتجت أوزانا ثقيلة فنيا وفكريا. ولا شك أن المشروع المصري للتحرر والاستقلال وبناء الدولة قد ألهم خيال المبدعين. ولا شك أن التحولات اللاحقة على عهد عبد الناصر قد ألقت مزيدا من الضوء على التميز الثقافي لعصر ناصر.

..

كانت هذا محاولة فضائية متواضعة ومحدودة لقراءة سريعة حول تراث ناصر بمناسبة مرور 38 سنة على وفاته. يلاحظ من يقرأ إنني لم أتعرض للكثير من الأمور: إما لأنها تندرج تحت أحد البنود العريضة التي أشرت إليها، أو إنها تندرج ضمن (الإنجازات أو الإخفاقات المادية) التي لم أشر إليها متعمدا حيث اقتصرت على الأمور المعنوية وغير المادية.

..

وأخيرا.. في رأيي .. إن مصر لا تقدم لها إلا إذا تحررت من نظام 52.. فهو نظام استنفد فرصته بالكامل عبر أكثر من 56 عاما.. آن لمصر أن تتخلص من حكم الفرد وتقديسه وعبادته..

ولكن هل مصر مستعدة؟

هل ثقافة مصر تسمح بذلك؟ أم أن المجتمع الأبوي – الذي يقوم على مبدأ أن من ليس له كبير يجب أن يشتري له واحدا! – هو مجتمع يستلذ بالسيطرة الفوقية عليه؟ هل ثقافة الأسرة المصرية وتربيتها السياسية والاجتماعية تمكن لهذا التحول من الحدوث يوما ما؟ قريبا أو بعيدا؟

هل، وألف هل.. ولا أجد الإجابة.

Thursday, June 26, 2008

المختصر في سقوط وسقوط القومية العربية

سقطت القومية العربية أول مرة عام 67.. اكتشف دعاتها أنها هشة واقعيا.. أن قوتها النظرية والفكرية والخطابية لا تعادل حقيقتها على الأرض.. أن كل ما أنتجته من أغاني وأبيات شعر وتصريحات عاطفية مشتعلة لم تقدر أن توحد موارد ملايين من يقولون أنهم عربا ليستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم ضد ما أسموه "الكيان الصهيوني" الصغير المحكوم عليه بالزوال.. سقطت للمرة الأولى يوم اكتشف الملايين أن الأب القوي الواثق من نفسه ليس على ما أوحاه لهم من قوة وبأس.. يوم رأوا دمعة وصفوها بالإباء والشمم تترقرق بين عينيه النافذتين اللامعتين.. سقطت يوم خرج ملايين العرب يصرخون يطالبون أسدهم الجريح بالبقاء.. اكتشفوا يومها أنهم عاجزين سليبين الحيلة معتمدين عليه وعلى أبوته ولا يقوون على مواجهة الحياة بأنفسهم.. شعروا أنهم ناقصون ولا يكتملون إلا به وبعينيه.. سقطت يوم انهارت أمام أعينهم أحلام التقدم والتحديث والتصنيع والاستقلال والوحدة والكرامة والعلم.. مات العقل وانتحر المنطق

كان يمكن عام 67 أن نتحدث عن "عرب" و "شعب عربي".. لم يكن صوت عبد الناصر وحده هو ما يجمع هؤلاء.. لا.. ولا تنهيدات أم كلثوم وعبد الحليم فقط.. كان هناك حلم حقيقي جمع ملايين البشر قاطني المنطقة التي تتحدث العربية.. حلم بما افتقدوه طوال قرون الخضوع والاحتلال والسيطرة العثمانية البغيضة.. حلم يعوضهم أهوال ما فُعِلَ بهم من القوى الاستعمارية بعد حرب العالم الأولى ثم الثانية.. أولى قسمتهم ومزقتهم وعاملتهم كبشر افتراضيين لا يوجدون إلا فوق الخرائط يتقاذفها دبلوماسيو أوروبا، ثم حرب ثانية خلقت بينهم كيانا غريبا عنهم غاصبا لأرضهم

العروبة .. أو "الأمريكية" (نسبة لأمريكا اللاتينية وليس الولايات المتحدة).. أو أي قومية في الدنيا وعبر التاريخ.. هي ليست بالضرورة رابطة دم وجينات.. هي رابطة حلم ومكونات ثقافة قبل أي شئ.. وهي بدون تعبير سياسي واقعي عنها لا تساوي شيئا.. العروبة خلقت في الشام كرد فعل على التتريك الذي أعقب قيام تركيا الحديثة بعد الحرب الأولى.. ثم تلقفها جمال عبد الناصر وآمن بها مثلما آمن في نفسه.. لتلهم الملايين وتكتب فصول عقود عديدة من تاريخ القرن العشرين وتاريخ المنطقة

في 67.. سقطت على الأرض القومية العربية أو فكرة العروبة.. ودفع الشعور بالنقص والذل العرب لأن يبحث كل في طريقه عن ما يعوضه ويخفف عنه آلام الفطام.. الفطام من الأوهام التي بنيت بالألفاظ والبلاغات وافتقدت لأدنى مقومات الحياة

ترسخ سقوط القومية العربية عام 77

عشر سنوات مضت بعد 67.. كانت كافية لتراجع مصر نفسها.. وبقوة رد الفعل.. وتحت تأثير الهزيمة وخيبة الأمل.. وجد العرب رئيس مصر يزور ذلك الكيان الذين استمروا ينادونه بالكيان الصهيوني.. وكأن تزييف الواقع يغيره فعلا.. كأن تجاهل حقيقة أن هناك فعلا دولة تنال اعتراف معظم العالم اسمها إسرائيل سيجعل هذه الإسرائيل فعلا غير موجودة وبلا قيمة.. يوم زار السادات القدس تلقت القومية العربية التي كانت طريحة الأرض طعنة نجلاء في القلب.. زادت الدماء واشتد النزيف

ماتت القومية العربية يوم 2 أغسطس 1990.. حتى أعتى القوميين الذين ظلوا على دينهم أعلنوا تلك الوفاة في ذاك اليوم.. يوم شاهدوا بلد عربي يحتل بلد عربي آخر.. يوم شاهدوا دبابات العرب تسحق العرب.. يوم عرفوا أنه لن تكون هناك حرب أبدا مع إسرائيل.. فالعرب سيحاربون بعضهم وسيمزقون بعضهم وسيأكلون لحم بعضهم ميتا.. وإسرائيل ستكون أكثر أمانا مع هكذا عرب.. ماتت العروبة وأعلن هذا الموت بقدوم جيوش الدنيا من جديد لمنطقتنا

ومن تاريخه وساعته ولا يوجد نظام عربي.. يوجد فراغ رهيب في تلك المنطقة ينادي كل القوى الجائعة استراتيجيا واقتصاديا.. أيضا توجد قوى ثلاثة – غير عربية – على الحدود الخارجية للعالم العربي الحزين تتربص وتتحين الفرص للانقضاض النهائي.. إيران من الشرق وتركيا في الشمال وإسرائيل في القلب

هرب العرب وأنظمتهم للبديل الموضوعي للمشروع القومي.. المشروع الخرافي الآخر.. فالعرب باتوا يعشقون كل المشروعات القومية الخرافية.. المهم في المشروع ألا تكون له صلة بالواقع.. ألا يكون ثقيل الظل مثيرا للآلام.. أن يكون مخدرا لذيذا مساعدا على النوم والنسيان.. أن يكون مليئا بالأساطير والأحلام والأوهام.. أن يكون فيه عبد الناصر فإن تعذر فصدام حسين فإن لم يمكن فيمكن الاكتفاء بحسن نصر الله أو حتى اسماعيل هنية.. أن يكون معاديا لأي عمل جدي حقيقي وأي رؤية واضحة.. أن يكون مخاصما للكلمات القبيحة مثل العلم والعمل والتقدم والحرية والديمقراطية والنور والأنوار والتنوير.. النون والراء يذكران العرب بالنار وبئس المصير

ازدهر المشروع الخرافي المسمى كذبا بالإسلامي أو الديني.. ازدهر وملأ دنيا العرب وشغلهم ودروشهم ومشيخهم ووهبنهم ووعممهم وحجبهم ونقبهم

ولازلنا نتفرج على فصول مسرحية العرب

ولا ألوم الشعوب العربية.. وأؤمن أن أي شعب آخر كان سيسلك نفس طريقهم لو تعرض لذات الظروف

ولا ألوم الحكام العرب الحاليين والسابقين.. فهم أبناء هذه البنية الاجتماعية وهم إفراز الشعوب

ألوم النخب العربية التي برعت في الاختلاف وفشلت في أن تضع لنفسها ثلاثة أهداف فقط تلزم نفسها بتحقيقها خلال جيل أو جيلين

ألوم الشعراء العرب والكتاب العرب والمفكرين العرب والفنانين العرب والمثقفين العرب

ألوم كل من تعلم القراءة وعرف الكتابة.. فلم يقرأ ولم ينقل النور للعقول مزيحا أستار الظلمة الموحشة

ألوم كل من هلل للهزيمة وكل من بررها وكل من نظَّرَ لها وفلسفها

وأول من ألوم: نفسي

__

هذا المقال نشر من قبل في مجلة مصر الجديدة (عدد يونيو 2008)

http://masrelgedeeda.blogspot.com/

Wednesday, February 13, 2008

العلمانية من تاني

تعليقي على مقال للسيدة فانتازيا.. تستطيع قراءته هنا


أن تكون إنسانا فأنت علماني

لكي لا تكون علمانيا يجب أن تكون إلها

وحيث أن لا إله إلا الله .. إذن فكلنا علمانيون

العلمانية هي اعترافنا بأننا بشر نخطئ ونصيب ولا يفضل أحدنا أحدا إلا بالعمل الصالح المفيد (التقوى).. وما غير ذلك فهو النصب والاحتيال والتزييف .. أو في أفضل الأحوال: الجهل والعياذ بالله

نحن علمانيون لأننا نحترم بشريتنا وإنسانيتنا ونقدس الله سبحانه وتعالى ونحب إسلامنا حتى أننا لا نرضى له أن يمتهن في ساحات الجدل وميادين النقاش الأجوف

نحن علمانيون لأننا لسنا الله الذي يملك الحقيقة الوحيدة المطلقة.. أنا مسلم أؤمن إن الحقيقة المطلقة هي إسلامي ولا شك عندي في ذلك.. لكن ماذا أفعل في جاري المسيحي الذي يظن أيضا أن الحقيقة المطلقة معه؟ وماذا نفعل لو كنا هنودا في الهندوسيين؟ والبوذيين؟ والملحدين؟ بل ماذا نفعل في الشيعة؟ وماذا نفعل في آلاف الطوائف والأديان والمذاهب الذي يظن كل منهم أن الحقيقة معه هو فقط والآخرون في ضلال؟

أقول لك ماذا فعلت أوروبا؟ تحاربت قرونا. هل يعرف الكثير أن ثلث سكان أوروبا المسيحية قتل خلال الحروب الدينية؟ هل يعرف الجميع أن علمانية أوروبا لم تأت إلا فوق الجثث والأشلاء؟ هل يعرف الجميع أن إصرارنا على تطبيق نسخة محددة من الشريعة الإسلامية يعني الحرب ؟ نطبق الشريعة عندما نتفق جميعا على إسلام واحد. هل إسلام مصر مثل إسلام ماليزيا؟ هل هي نفس الفلسفة وطريقة تطبيق وفهم النصوص؟ هل هو إسلام المغرب العربي؟ هل هو نفس إسلام باكستان؟

..

والله العظيم.. العلمانية حتى لو كره البعض إسمها هي فقط تعني حقن الدماء والاحتكام للعقل والاتفاق والمفاوضات في حكم شؤون حياتنا. ألم يكن عمر علمانيا عندما عطل حد السرقة نتيجة ظروف الواقع المتغير؟ ألم يكن أبو بكر علمانيا وهو يحارب أهل الردة عندما منعوا الزكاة وهي الحرب التي لم يرض عنها علي وعمر؟ ألم يكن الرسول نفسه علمانيا وهو يعاهد اليهود ويمارس السياسة والذكاء ويخطط ويستشير فيما لم يوحي الله فيه ويأمر

Tuesday, February 12, 2008

أفلاطون حاكما

لا تصدق أن هناك أحدا يفكر بعقله. أو قل بالجزء الأرقى في عقله الخاص بالمنطق. الناس تسوقهم العواطف والانفعالات. الجزء الأسفل - والأقدم - في المخ هو السيد وهو القائد. مازال أمامنا آلاف - أو ملايين – السنوات حتى نعتاد على استخدام المهارات الجديدة المكتسبة (التفكير المنطقي) في حياتنا. قد يبدو البعض منطقيا عاقلا راشدا فيما يتعلق بغيره ولا يعنيه كثيرا. ولكنه سيظهر لك وجهه الحقيقي (العاطفي الانفعالي المتعصب) فور مساس الموضوع بذاته أو مصالحه أو أمنه. هذه هي الحياة والأحكم من يتعامل معها كما هي ولا يضيع طاقته ابتغاء الوهم أو الأوهام.

مازال الإنسان حيوانا باحثا عن الأمن والأمان. يسعى لتأمين وجوده المادي. فإن نجح: فيتحول لكيانه النفسي والمعنوي. يسعى لتكريس أكبر قدر مستطاع من الأمن والرفاهية لنفسه ثم للأقربين منه. ينفعل الإنسان ويلقي برشده في أول صفيحة قمامة إذا شعر بأي تهديد. تنتفض ذاته السفلى الحيوانية خالعة رداء الحضارة الحديث نسبيا من فوق جلدها القديم السميك الخشبي. تنتفض ثائرة هادرة صارخة تريد بث الرعب في قلوب من حولها علَّ أحدهم يخاف فيصغي لما تريد تلك النفس الذاعقة.

لو كان الناس يقادون بالفكر والوعي لكان أفلاطون وفلاسفته هم حكام زمانهم وكل زمان أتى بعدهم.

Monday, February 11, 2008

انتصرنا على أنانيتنا

الانتصار الأكبر الذي تحقق هو الانتصار على الفردية المصرية الشهيرة. سحق روح التفرد والأنانية التي تضرب جميع محاولاتنا الجماعية في مقتل باستمرار.

ننجح كثيرا في الألعاب الفردية ونخفق – بامتياز – في كل ما يتطلب أداءً جماعيا وتنظيما. لا نفضل قيمة إنكار الذات ونحب بدلا منها الفرعنة بما تحتويه من سيطرة الفرعون ومركزيته وتمجيد ذاته المقدسة.

قيمة ما حققه المنتخب المصري لكرة القدم هو أنه استمر في النجاح الجماعي! فليست البطولة في حد ذاتها ما أفرحت المصريين. ولكن كونها ثاني بطولة تحققها مصر على التوالي. مما يعني الجدارة والاستحقاق. مما يعني عودة مبدئية للثقة في الذات المصرية. مما يعني بداية التوقف عن تهميش قدراتنا. مما يعني للناس أنه مازال هناك أملا في غدٍ أفضل لمصر نبنيه بأنفسنا وليس بالاعتماد على القدر أو الحظ.

لم ننتصر هذه المرة بضربات حظ ترجيحية. ولا بمساندة الجماهير المصرية المليونية. ولا بضعف المنافسين. انتصرنا بسواعدنا أو قل بأقدامنا! لذلك فالناس فرحانة بما لا يوصف ولا يمكن تحليله ببساطة.

الناس تشعر أن هناك أملا في الجماعية. المصري يخاف دائما من أن يذوب وسط المجموع فلا ينال شيئا، لذا تجده كارها للجماعية والأداء الفرقي. أثبت المنتخب الوطني لكل مصري في كل مكان أن تكاتف بعض المصريين وتعاونهم وإنكارهم لذواتهم وتضحيتهم بأنواتهم يحقق النجاح للجميع. ربما يتعلم المصريون مما حققه المنتخب المصري لكرة القدم أن لا أمل في الغد إلا بالجماعية والتعاون والتوحد وراء الهدف.

لا ينخدعن أحدكم بتحليلات اليأس والعجز من نوعية إن المصريين المحبطين المقهورين المطحونين يبالغون في الفرحة بسبب معاناتهم الاقتصادية أو غيرها. تابعت من قرب شديد احتفالات إيطاليا بحصولها على كأس العالم في 2006. كان ملايين الإيطاليين يرقصون في شوارع روما ونابولي وميلان بحماسة وهيستيرية لا يمكن تصورهما. إنه الكبرياء القومي يا ذكي، وليس التضخم وارتفاع الأسعار والمشكلات السياسية!



ألف مبروك لكل مصري أفرحه هذا الإنجاز العظيم.

Friday, February 8, 2008

رجاء النقاش

مات رجاء وانقطع الرجاء.

قال عنه عبد المعطي حجازي إنه "عمل يشبه التقوى" وأقول بل هو "التقوى تشبه البشر".

مات بعض رجاءنا في حياة أدبية وفكرية أرقى في مصر بموته.

وصفوه بالناقد الكبير، وأراه مفكرا مثقفا مستنيرا مصريا عربيا، يشتعل حماسة لثقافة بلاده وتراثها وينفتح على ثقافات العالم وحضاراته بثقة في النفس وتقدير للذات، وكل ذلك مغلف برقاقات مبهرة من أخلاق الفرسان وذوق النبلاء.

حببني في الشعر والأدب العربي والعالمي. نقده لهما يرقى لمستوى الأعمال الإبداعية الأصيلة. ناقد مسرحي فريد الطراز. يا لروعة كتب مثل "نساء شكسبير" و"ثلاثون عاما مع الشعر" و"أبو قاسم الشابي" و"قصة روايتين" وهي دراسة مقارنة لرائعة مستغانمي "ذاكرة الجسد" و"وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر.

كان النقد الأدبي عند رجاء تنويريا يتفاعل مع القارئ ويمتعه ربما أكثر من النص الأدبي نفسه الذي يتعرض للنقد والتشريح!

أثار حواره الشهير مع الخالد نجيب محفوظ الذي نشر في كتاب باسم "أصداء السيرة الذاتية" ضجة لا ينساها المهتمون بالأدب والسياسة معا. هاجم محفوظ بعض سياسات وقرارات المرحلة الناصرية وعبد الناصر، فانتفض عشاق ناصر يهاجمون ويلعنون ويرغون ويزبدون متوعدين أي ناقد أو مفكر أو معلق على سياسات ناصر بالويل والثبور وعظائم الأمور، ونشكر الله أن الناصريين ليسوا متأسلمين وإلا كانوا قد توعدوا المخالفين بالجحيم وغضب من الله وسخط عظيم!

جرئ شجاع مجدد. طالب بكتابة القرآن بالخط العصري العادي وليس الخط القديم الذي يكتب به، تسهيلا على الأجيال الجديدة من العرب الذين يفكون الخط بالكاد! ونادى بتقديم تفسير عصري للقرآن خالص من الخرافات والأساطير التي تسربت لتفاسير البشر في العصور الوسطى له.

مات رجاء وليس بيننا من يخلفه.

آه من انقطاع الرجاء في وحشة الظلام وغربته.

Thursday, February 7, 2008

زمن أبو جهل

لا فهم للحاضر إلا من خلال تفسير أحداث الماضي. ولا حاضر بدون أمس. ولن يأتي الغد حتى نفك اليوم العقد التي تكونت في البارحة.

في يوم من الأيام، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1919، كان هناك رجلا عربيا، يعيش في الرياض، اسمه عبد العزيز عبد الرحمن السعود، الشهير بإسم عبد العزيز آل سعود، يتميز بالطموح السياسي لإقامة دولة في الأراضي الواقعة في شبه جزيرة العرب. وكانت القوة السياسية الأخرى الموجودة فعلا هي قوة الشريف حسين شريف مكة والمسيطر على الحجاز، وسليل الهاشميين، وقائد الثورة العربية الكبرى!

كانت المنطقة تموج بفورانات ثائرة كثيرة. من حرب عالمية رهيبة أسقطت دولة الخلافة. ومن ثورة الهاشميين التي سميت الثورة العربية الكبرى وهي في الواقع مشروع بريطاني يهدف لإضعاف نفوذ الدولة العثمانية أثناء الحرب عن طريق خلق رابطة جديدة (العروبة) تحل محل الرابطة الإسلامية التي تعتمد عليها الدولة العثمانية.

أراد عبد العزيز آل سعود دولة. ولكي يؤسس دولة؛ فلا بد له من هزيمة الشريف حسين القوة المنافسة في الحجاز. ولكي يهزمه فلا بد له من جيش. ولكي يبني جيشا فلا بد له من موارد. ولا توجد لدى الرجل أية موارد من أي نوع. فماذا يفعل؟

وجد عبد العزيز آل سعود الجيش الذي يريده متوفرا حوله. ومجانا. ولا يحتاج إلا أن يُحشَد. كان هذا الجيش هو الوهابيين. أتباع المذهب الذي سنه رجل عربي آخر عاش في أوائل القرن التاسع عشر اسمه محمد عبد الوهاب. لا علاقة له بموسيقار مصر طبعا. فلا موسيقيين في جزيرة العرب ولا موسيقى. مسموح فقط بالدفوف.

أصبحت الرابطة التي ينبني عليها الجيش السعودي (نسبة لعبد العزيز آل سعود) هي رابطة التعاليم الدينية الوهابية المتزمتة. وجد الوهابيون في سعود ما سيؤمن لهم أن تنتشر أفكارهم وتسود تعاليمهم ونظرتهم للدين، وهو غاية أي مذهب فكري. فماذا يريد أتباع أي نظرية دينية أو فكرية أو سياسية أو غيره إلا السيادة والانتشار؟ ووجد عبد العزيز آل سعود فيهم القوة اللازمة من أجل تأسيس أول دولة تسود شبه الجزيرة.

التقت السياسة بالدين التقاء مشؤوما أغبرا كعادة الاثنين عندما يلتقيا.

دخل الوهابيون، بقيادة أمير الرياض عبد العزيز آل سعود، مكة عام 1924 إن لم تخني الذاكرة. وفي عام 1932 – أيضا إن لم تفعلها معي الذاكرة – أعلن الرجل قيام دولة تحمل إسم جده وجدود جدوده: المملكة العربية السعودية.

ولأن عبد العزيز السعود بدأ من الرياض، فقد أصبحت الرياض عاصمة الدولة. وظلت محتفظة بصدارة التطرف والتشدد والتزمت والتحجر.

لم يكن هناك ما يوحد ويقنع القبائل العربية المتخلفة حضاريا، التي تضمها شبه الجزيرة، بالانضواء تحت قيادة سياسية واحدة إلا قوة المذهب الوهابي. كانت المزايدات والتشدد هي سبيل نظام الحكم لتكريس سلطته وتثبيتها في عقول المحكومين. وهو ما أثبت حتى الآن نجاحه كثيرا.

ويا سبحان الله: ترسل لهم السماء تحت أقدامهم زيتا أسودا يتصادف أنه محرك النمو الصناعي العالمي. لا يستطيع أتباع سعود وعبد الوهاب سوى أن يبيعوا هذا الزيت للخواجات الغربيين. تهبط الدولارات كالسيول، وتحل الكاديلاك محل الجمل. تطير ثقافتهم وتعاليمهم وآرائهم مدعومة بسحر المال لتغزو البلدان الأفقر من البترول حولهم. يتوهبن كل شئ. وترتد دول الحضارة العظيمة في المشرق ووادي النيل قرونا للخلف.

محكومة المنطقة العربية حتى الآن بفكر رجل بدوي بدائي لا علاقة له بالحضارة الحديثة وتعقيداتها ولم ينل أي قسط من التعليم والتثقيف، وينظر للدنيا نظرة ساذجة أحادية، ترتقي بجانبها نظرة الفلاح أو الفلاحة المصرية البسطاء غير المتعلمين، حتى لتشعر أن هذا الفلاح أو هذه الفلاحة هي أو هو فولتير يتحاور مع أبي جهل شخصيا!

هل فاز أبو جهل؟

هل تسود أموال أبي جهل على أفكار فولتير وتسحقها سحقا؟

مازالت فصول المأساة تتوالى.

Wednesday, February 6, 2008

وللمقاومة وجوه أخرى

هل تتبع حماس المذهب الواقعي أو المثالي في السياسة؟
مش فاهم السؤال.
يعني.. هل حماس واقعية بمعنى أنها تحسب الحسابات وتزن الموازين وتقيم البدائل وتفضل المصلحة الوطنية على ما عداها ثم تتخذ قراراتها في السياسة والمقاومة، أم أنها مثالية او قل خيالية بمعنى أنها تهتم كثيرا بما يجب أن يكون على حساب ما هو كائن فعلا؟
أظنها واقعية. يبدو عليها ذلك. فرغم أن الأعمار بيد الله وأن القيادة يجب أن تلتحم مع الشعب في معركته إلا أن خالد مشعل مثلا يقيم في دمشق وليس في غزة. مما يعني أن أعلى مستوى في الحركة يتسم بالواقعية ويحافظ على حياته حتى تستمر حركة المقاومة مستمرة ولا تتأثر باغتياله إذا هو أقام في غزة. كما أن الهدنات التي تعقدها مع إسرائيل بين الحين والآخر تدل على واقعيتها السياسية. وقل نفس الشئ على مشاركتها في الانتخابات رغم قيامها في ظل نظام تراه حماس عميلا وخائنا.
إذن: حماس واقعية؟
نعم. هي كذلك. بلا شك.
حسنا. لماذا تطلق حماس صورايخها على إسرائيل؟ ولماذا تقتل شابين في مقتبل العمر من أجل القضاء على إمرأة إسرائيلية؟
إنها تجاهد يا أخي. تقاوم. أتريدها أن تقبل بالذل والهوان؟
أو ليس ذلا وهوانا ما يعيشه فلسطينيَ غزة؟ أو ليس ذلا وهوانا ذلك الضرب الإسرائيلي للفلسطينيين الذي لا ينتهي. أو ليس ذلا وهوانا قطع الكهرباء والوقود عن غزة باستمرار. أو ليس ذلا وهوانا تردي أوضاع المعيشة لمليون ونصف ذليل. أو ليس ذلا وهوانا القاء النفس في التهلكة بلا تخطيط أو تدبر لعواقب؟ ألم يعقد الرسول نفسه هدنات وأدار مفاوضات سياسية حتى تغيرت موازين القوى؟ لماذا تفعل حماس ما تفعله وهو يضر أمن بلادها الوطني؟ ما الفائدة التي يجنيها أي فلسطيني أو عربي من هذه المقاومة المزيفة؟
حماس هي صوت المقاومة الوحيد الباقي. أتريد للكل أن يستسلم؟
وهل تسمي ألمانيا مستسلمة ذليلة تابعة؟ هل كان يجب أن تحارب إلى مالا نهاية حتى آخر ألماني؟ ألا تزيد قوة ألمانيا اليوم عشرات المرات عن قوتها في النصف الأول من القرن العشرين؟ هل تسمي اليابان عميلة خائنة؟ هل نجحت في قلب موازين القوى بالعمل والتخطيط والصبر والتحكم في النفس أو لم تنجح؟ ماذا كان مصيرها ليكون لو كانت قد استسلمت لشهوة الانتقام من الأمريكيين الذين ضربوها بالنووي بلا رحمة؟ هل اليابان اليوم أقوى من أمريكا اقتصاديا وعلميا أم لا؟ ألا تتوسل أمريكا لليابان اليوم من أجل أن تعدل دستورها وتبني جيشا جديدا واليابان ترفض؟ لماذا نحن فقط المكتوب علينا تلك المقاومة الخائبة الركيكة التي لا فيها طحن ولا حتى لها جعجعة؟
إذن ماذا تريد حماس يا أخي مما تفعله إذا كانت متأكدة مليون في المائة أن صواريخها وعملياتها قد تزعج إسرائيل قليلا ولكنها لن تغير من الأمر الواقع أي شئ ولن تفيد إلا إسرائيل سياسيا وأنها تدمر فلسطين وقضيتها؟
ألا ترى أنها تهدف أساسا للاستفراد بالحكم، ثم اتخاذ القضية الفلسطينية كلها كورقة تفاوض قوية في يد سوريا وإيران من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة؟ أليس إشعال المشاعر الدينية والعواطف القومية يصب في هذا الاتجاه؟ أليست حماس الواقعية التي تضرب صواريخ هي تعلم أنها تضر بأمن بلادها الوطني، ولكنها تخدم حماس فقط إذ تظهرها في صورة المقاوم الوحيد الذي يقاتل حتى آخر رمق. وبالتالي فإن شعبيتها تزيد في الشارع المقهور المكتئب المتأسلم سياسيا والمنوم مغناطيسيا. من فضلك لا تقل لي ومالهم سوريا وإيران. إذا قلت أقول لك مالهم: سوريا لا تقاوم لا بالرصاص ولا بالكلام وتلهث وراء أي تسوية سياسية تحفظ أمن نظامها. وإيران مستعدة لبيع العرب في أول مفرق من أجل مصلحتها. وده سلوك طبيعي جدا في عالم السياسة الدولية. محدش والنبي يصدق حكاية ان سوريا وإيران معسكر الممانعة والمقاومة! نفوق شوية بقى. ممكن؟


Tuesday, February 5, 2008

أظننا سننسحق.. للأسف

ما سبب قوة العلمانية في أوروبا وما سر تجذرها هناك حتى سابع أرض؟

لا أعرف هل يسأل المتأسلمون – وغير المتأسلمين – أنفسهم هذا السؤال أم لا. لا أعرف هل تثير هذه النقطة فضول أحد التائهين فكريا – وما أكثرهم – في بلادنا التائهة بدورها.

لماذا انتقلت أوروبا المسيحية المتعصبة المتطرفة المنقسمة من النقيض للنقيض؟

يغفل كثيرون – عمدا أو جهلا – تاريخ العصور الوسطى الأوروبي. يكره الكثيرون من يحدثهم عن مارتن لوثر وعن الحروب الدينية. يقولون أن ظروف أوروبا غير ظروفنا. يزيدون بأن الكنيسة المستبدة لا مقابل لها في الإسلام غير الكهنوتي.

يا سادة

اعتنقت أوروبا العلمانية عندما سال الدم أنهارا في ربوعها.

عشقت أوروبا العلمانية عندما امتزجت حروب البروتستانت مع الكاثوليك بالصراع السياسي بين فرنسا والنمسا.

رفعت أوروبا راية العلمانية عندما اختلط الدين بالسياسية وروشيليو مع الهابسبرج الأعداء!

انتصرت العلمانية عندما كره الناس من يسألهم عن عقائدهم ويفتش في ضمائرهم استعدادا لذبحهم أو حرقهم.

سادت العلمانية عندما اختفى التسامح وساد الجهل والتعصب.

علا صوت العلمانية بعد حروب راح فيها ملايين في ألمانيا وغيرها بسبب الانقسامات الدينية.

عرف الناس أن العلمانية – وتعني أن البشر لا يجب أن يختلفوا إلا حول شؤون العا لم وإدارته، ويتركون شؤون العقيدة لله الخالق – هي سبيل النجاة الوحيد.

هل يجب أن نمر بنفس مراحل التطور الدموي حتى نرى يوما يكون فيه السائل عن العقيدة والمناقِش فيها كالسائل رجلا عن تفاصيل حياته الجنسية مع امرأته؟

هل يجب أن يموت منا ملايين وتنسحق أجيال بأكملها حتى نحتكم لعقولنا في إدارة شؤوننا ونلقي بحمول العقيدة وغيبياتها على كتف الخالق العليم؟

أظننا سنمر. وأظننا سننسحق.

للأسف.