على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا إسم مصر عندى أحب وأجمل الأشياء

على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا إسم مصر عندى أحب وأجمل الأشياء

Monday, September 3, 2007

67

يخطئ الكثيرون في التحليل ، عندما يتعلق الأمر بهذا الرقم الصغير المكون من خانتين: 67

ومرجع الخطأ هنا يعود أحيانا إلى العاطفة ، ومرات إلى المصلحة

فـ 67 هو رقم ذلك العام الذي شهدت مصر فيه هزيمة عسكرية قاسية من جيش إسرائيل فوق صحراء سيناء المصرية
وكانت هناك تداعيات مهمة ودرامية وخطيرة لهذه الحرب الخاطفة ، التي ما استمرت – على الأرض - أكثر من ستة أيام فقط . تداعيات سياسية تمثلت في قمة الخرطوم شديدة الأهمية في التاريخ العربي . وتداعيات نفسية ظهرت في المظاهرات الشعبية المليونية ، التي رفضت فيها جماهير العرب ، استقالة بطلهم المهزوم جمال عبد الناصر . وتداعيات اجتماعية بدت واضحة – وإن بعد سنوات – في التحول العربي الجماعي ، عن طريق المشاريع الاشتراكية والقومية واليسارية والنضالية ، إلى طريق يؤدي إلى الأعماق السحيقة التي توجد بها الجذور الدينية والسلفية والتراثية ، يبحثون فيها عن اجابة لأسئلة اللحظة الضاغطة وقتها على أعصاب الجميع : لماذا فشلنا .. لماذا هزمنا .. لماذا أهدرت كرامتنا

وفي الواقع ، فإن الخطأ في التحليل له ما يبرره . فأحيانا هو مردود إلى أسباب عاطفية بحتة ؛ فمن الناس من يرفض أي نقد موجه لثورة يوليو ، وقائدها ، وحقبة الستينات بالذات ، وبالتالي فهو لا يرى في أي حديث عن 67 ، سوى محاولة لتكريس الهزيمة ، وسحقا للذات المصرية والعربية ، وعمالة لإسرائيل وأمريكا . ومن الناس من عايش فترة الانقلاب الساداتية على عبد الناصر وما يمثله وآلمه ما شاهده كثيرا ، وبالتالي فرفضه النقاش حول 67 ، يأتي باعتبار ذلك النقاش المزعوم جزءا من مؤامرة تشويه الزعيم . ومن الناس يعشق عبد الناصر ، حتى أنه يؤلمه – حقا – تذكر الهزيمة ، ولو على سبيل الاتعاظ ، ربما إشفاقا على الزعيم – الأسد الذي انحبس زئيره ليلتئذ – أكثر من إشفاقه على مصر التي نزف قلبها في ذلك اليوم . وهكذا ، فالأسباب العاطفية يطول شرحها وتعديدها ، وإن كنت أظن أن الفكرة قد وضحت

أما السبب الثاني لخطأ التحليل حول هذه الحرب فيرجع مرات إلى المصلحة ، فبالفعل هناك الكثيرون ممن يريدون تشويه عبد الناصر وتجربته الفريدة في تاريخ مصر والعرب . وهناك من هم جزء في شبكات مصالح كبيرة تعمل على تشكيل الرأي العام وتوجيهه إلى طريق هو بالضرورة ليس طريق ناصر . وهناك ، على العكس ، من يرتدون قميص الزعيم لأسباب سياسية داخلية بحتة ، وهؤلاء يجعلون من 67 نصرا ومن 73 (المنسوبة لغريمهم السادات) هزيمة

وبين كل هؤلاء ، يكون التيه الفكري حتما مقضيا على ذلك الجيل البائس ، الذي جاء مع وبعد الهزيمة . ولا يمكن إلا تخيل أن يفقد هذا الجيل والأجيال التالية كل إيمان لهم في مصداقية الكلمة المقروءة وقدسيتها بعد أن شاهدوا ابتذالها وتعريها وتلونها حسب طلب - الزبون

وفي الكلمات التالية ، محاولة ، لا أزعم لها الكمال أو العظمة ، ولكن أقسم لها بالصدق والموضوعية وتحري البعد عن الهوى و/أو المصلحة ، لقراءة مختصرة حول جانب واحد من جوانب 67 . وذلك الجانب يدور حول بحث أسباب اختلاف تأثير 67 على مصر والعرب عن غيرها من الحروب التي خاضتها مصر عبر تاريخها الطويل المديد ، أبحث عن سبب أو أسباب بقاء 67 في الذاكرة المصرية والعربية حية وإن تظاهرنا بأنها ماتت ، فاعلة وإن أقسمنا أنها معدومة التأثير ، ضاغطة علينا جميعا وإن مثلنا أننا مرتاحون ، صارخة في وجوهنا وإن أعطينا لها آذان صماء

وبداية ، فإنني أرى ثلاثة عوامل رئيسية يجعلون من 67 تجربة لن تنسى في ضمير المصريين تحديدا ، والعرب
عموما

أولهما هو توقيت تلك الحرب في تاريخ مصر . فكثيرا ما نتغافل عن حقيقة أن 67 هي أول هزيمة عسكرية مصرية معترف بها في مرحلة ما بعد الاستقلال . فمصر بعد 52 غير مصر قبلها . فهزيمة 48 على سبيل المثال عادت في التحليل الشعبي والرسمي المصري إلى أسباب تتعلق بفساد الإدارة (الملك) والقوة الاستعمارية (بريطانيا) أكثر ما تتعلق بقصور عسكري مصري . وبالتالي ، فلم تكن 48 لتؤثر في الضمير الجمعي المصري ولم يجلد بها المصريون ذواتهم ، حيث رأوا أنهم غير مسؤولين عن أسباب الفشل العربي في تلك الحرب الغريبة في تاريخ حروب بني البشر

وفي نفس السياق ، فإن 67 تختلف عن 56 . فمصر لم ترى أنها هزمت في تلك الحرب . فمتى كانت صراعات التاريخ تحسم – فقط – بحجم الاستحواذ على الأرض؟ فعبد الناصر بعد هذه الحرب هو زعيم العرب ورمز التحرر العالم-ثالثي . وشعب مصر ومعظم شعوب العرب ترى مصر بعد 56 قاهرة لقوتين عظمتين (بريطانيا وفرنسا) وقوة عميلة للاستعمار (إسرائيل) . وبالتالي ، فالمصريون لم يعترفوا أبدا ،ولم يشعروا في الواقع بهزيمة عسكرية في 56

أما 67 فأمرها يختلف . فهي هزيمة بشهادة رجلهم الأول ناصر قبل الجميع . وهي هزيمة لم يجرؤ مصري أو عربي بتكذيب قسوتها ووطأتها على الكرامة المصرية والعربية . ربما كان أقصى ما استطاع البعض القيام به لتخفيف أثرها هو تجميل إسمها لتصبح نكسة ، باعتبار أن النكسة يسبقها ويعقبها صعود وارتقاء . وهكذا ، فإن هناك اتفاق على أن 67 هي هزيمة . ثم تأتي بعد ذلك نقطة لمن كانت الهزيمة؟ فهي لم تكن مثل 48 هزيمة للملك أو للأسلحة الفاسدة أو لانجلترا المحتلة . ولم تكن مثل 56 هزيمة مشكوك في صحتها من الأصل . وإنما ، في هذه المرة .. هي هزيمة لمصر . للمصريين . للمرة الأولى في تاريخ مصر بعد الفرعونية . مصر تحارب وتنهزم . ليست مصر الملك أو مصر الخليفة أو مصر المماليك أو حتى مصر محمد علي (غير المصري) ، إنما هي مصر بشحمها ولحمها . مصر المستقلة . مصر الحرة . مصر عبد الناصر البطل والزعيم المعشوق . ناصر: أحمس القرن العشرين المصري . أو هو حورس المعبود

كانت قوة تأثير 67 في وجدان المصريين بقدر قوة تأثير شعورهم الكاسح والطاغي بأنهم لأول مرة في تاريخهم أحرار من السيطرة الأجنبية التي ما تركت بلدهم لقرون طويلة إلا صاغرا خاضعا . لم يفرح المصريون يوما بانتصار مصر (قبل 52) في حرب أو يحزنوا لهزيمتها إلا بمقدار من كان له شهيد في هذه الحرب أو تلك . كانت مصر التي تحارب هي مصر غير مصرية . أما مصر التي حاربت في 67 كانت مصر المصرية المستقلة الناصرية القومية الثورية . في 67 ، شعر المصريون لأول مرة في تاريخهم المديد بعد انقراض الفراعنة بأنهم هزموا .. هزموا حقا .. هم وليس أحد غيرهم .. ولهذا فإن 67 ليست كسابقيها في حروب مصر الكثيرة عبر التاريخ

أما ثاني الأسباب التي أراها رئيسية في اختلاف تأثير 67 على المصريين والعرب ، فكان الراديو والتليفزيون

فالأخبار التي ما كانت تعرف إلا بالكاد وتأخذ وقتا طويلا حتى تذيع وتنتشر ، أصبحت ملك اليمين . وحّد الراديو ثم التليفزيون جماهير العرب . كانت الصرخة تنطلق من سيناء فيسمع صداها مدويا في دمشق وبيروت والجزائر . سمع العرب وعرفوا – معرفة اليقين – أن الهزيمة كانت صارمة هذه المرة . فلا مجال للتلاعب بالألفاظ ، ولا مجال للمناورات السياسية . الثعبان الصغير ابتلع سيناء وهضم الجولان وحلّى بالقدس . لم تكن 67 مثل سابقيها حربا مقصورة على من يحاربها ومن وراءه النخبة السياسية . لا ، بل كانت حربا لكل العرب . عاشوا فيها يوما بيوم من أول ما سمعوه عن تجييش إسرائيل لجيوشها على الحدود السورية إلى غلق خليج العقبة وحتى الضربات الأولى صباح الاثنين الكئيب خامس أيام يونيو الأسود

وهكذا ، فـ 67 حية في ضمير الكل . لا يوجد من لم يسمع بها لحظة بلحظة . كانت تأثيرها عريضا بقدر ما كانت الراديوهات تملأ مصر . بقدر ما كان صوت أحمد سعيد يجلجل كالمعتاد في منازل جميع العرب وليس المصريين فقط

أما السبب الثالث ، فيعود في تقديري لشعور المصريين الشديد بحجم الهوة السحيقة التي فصلت بين توقعاتهم لنتيجة حرب مع إسرائيل ، وبين النواتج الفعلية لهذه الحرب عندما حصلت فعلا . فمرة ثانية ، لم يكن المصريون في تاريخهم كله معبئون مثلما كان حالهم في 67 . لم يكن المصريون على قلب رجل واحد وصوت رجل واحد كما كانوا في هذه السنة . كانت زعامة ناصر تملؤهم غبطة . وكان الشعور القومي يغذي فيهم الكبرياء والزهو . وكانت الاستهانة بالعدو والثقة بالنفس ينخران كالسوس المتوحش في بنيانهم الذي ظهر أنه أصلا كان هشا وواهيا .. للأسف . لم يفكر مصري أو عربي واحد أن هناك هزيمة تلوح في الأفق . كان أسوأ ما تخيله العرب الطيبون الحالمون دوما هو انتهاء الحرب "تعادل" . أما الهزيمة فلا وألف لا . فناصر هو نبيهم الحديث . والعرب يعرفون أن الأنبياء لا يهزمون في الغزوات والحروب

يخطئ من يظن أن 67 مجرد هزيمة وانتهت . كلا . 67 هي أصل العديد من المشاعر الجماعية العربية التي انطلقت من أعماق عرب مهزومون في أعماقهم حتى النخاع . 67 هي بداية الكفر بالقومية العربية وفكرة أن العرب يمثلون أمة واحدة . 67 هي الدافع المباشر لتوجه العرب المسلمون تجاه شيوخهم وإخوانهم المسلمون يبحثون عن رد اعتبار في كتب التراث ونصرا عسكريا في مغازي الرسول . لا شك أن نصرا عربيا في معركة العبور في 6 أكتوبر 73 قد أعاد بعض الأمل للعرب في رؤية ولو قليل من النور في آخر نفق مظلم داكن يسيرون فيه منذ قرون

لا أهدف إلى إدانة أحد . لا أقول أن ناصر أخطأ أو لم يخطأ . لا أقول أن هناك حتمية ما مقدرة على الشعب العربي والمصري في داخله . فقط أقول أن هذا ما حدث .. كما أراه . فقط أقول أن 67 تختلف .. وكان ما سبق حيثيات الاختلاف . فقط أقول أنه لو ظل إصرارنا على التعامل مع 67 كهزيمة "وعدت ومسحنا عارها في 73" فإننا نحكم على أنفسنا باستمرار الضياع القومي واستكمال الامتهان السياسي العربي . فـ 67 تشبه العقدة التي يبحث عنها الطبيب النفسي ليواجه بها مريضه . فإذا ما قرر المريض أن يراها ويتعامل معا بلا مواربة ، فإن الأمل في شفاءه يقوم . أما إذا قدر المريض أن لا عقد لديه ، فالمرض يعيش ، والهزائم تأتي متتالية