على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا إسم مصر عندى أحب وأجمل الأشياء

على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا إسم مصر عندى أحب وأجمل الأشياء

Wednesday, August 22, 2007

تحليليات

تضحكني – على طريقة شر البلية – الطريقة العبقرية التي غالبا ما يتبعها بعض المحللون السياسيون العرب في وصف وتفسير الظواهر السياسية والاجتماعية العالمية والإقليمية وحتى المحلية . فهذه الطريقة تستند – فيما تستند – إلى الفلسفة التي تعبر عنها تلك الطرفة الشهيرة التي تروي أن أحد قياصرة روما يوما قال لإبنه الصغير البالغ من العمر سنوات قليلة : هل تعلم يا بني أنك تحكم العالم؟ وعندما استغرب الطفل الروماني مقولة أبيه ، وضح له الأب الأمر: أنا أحكم العالم ، وأمك تحكمني ، وأنت تحكم أمك ، إذن فأنت تحكم العالم!

ولا يبدو لي أن القيصر الروماني أراد أكثر من التعبير عن دهشته من التناقض – فيما يظهر – بين قوته خارج البيت كحاكم لروما العظيمة وبين قهره داخل قصره كمجرد زوج يعاني من مشاكل الحياة الزوجية التي لا يبدو أنها تختلف كثيرا من روما القرن الأول الميلادي إلى روما أو طوكيو أو قاهرة القرن الحادي والعشرين! ولكن – للأسف – اعتقد بعض عباقرة التحليل السياسي أن هذه الحكاية الطريفة قد تصلح لتفسير العديد من الظواهر التي نراها في العالم حاليا ، إذ أن الدرس الكامن وراء الطرفة سهل ، وبسيط ، وخفيف الظل ، ومقنع للملايين من محدودي التعليم والثقافة في الشارع العربي

وهكذا ، فإن مشكلة الشرق الأوسط أصبحت ترى كالآتي : أمريكا تحكم العالم ، وإسرائيل تحكم أمريكا ، وأولمرت يحكم إسرائيل ، إذن فأولمرت يحكم العالم!
أو مثلا : أمريكا تحتل العراق وأفغانستان ، والعراق وأفغانستان مسلمتان بينما أمريكا مسيحية ، إذن فهناك حرب من المسيحية ضد الإسلام أو أمريكا تحارب الإسلام . وهنا يضيف عبقري تحليلي آخر : وبما أننا أقرينا سابقا أن إسرائيل تحكم أمريكا ، إذن فإسرائيل تحارب الإسلام . فيأتي تحليلوى آخر ذاعقا : وبما أن إسرائيل يهودية إذن فهناك حرب يهودية مسيحية ضد الإسلام

وأضف إلى ذلك غالبية ما نراه ونسمعه ونقرأه من تحليلات مجانية تملأ فضاء حياتنا الفكرية الخاوية ، فتقوم تلك التحليلات – المعتمدة كما أسلفت على منطق سهل ظريف مباشر سهل الوصول للعقول الخاوية – بطرد الحاجة إلى بذل الجهد الكبير الذي يقتضيه التفسير الصحيح أو الأصح لظواهر سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة التعقيد والتعدد . فعلى سبيل المثال ، بدلا من ربط المد التديني الشكلي المرتبط بممارسة أكثر وأوسع نطاقا للطقوس الدينية مع ثبات - أو تدهور - الجانب السلوكي والأخلاقي ، بدلا من ربط ذلك بتغيرات البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية التي مهدت له الطريق إن لم تكن قد أفرزته ، فيصبح التحليل المجاني : الوعي الديني ازداد والحمد لله! وكأن الدين تم اكتشافه البارحة ولم يكن له وجود طيلة سنوات سابقة على تلك التي شهدت "ازدياد الوعي الديني" . وفي نفس السياق ، يصبح الحجاب أو النقاب فضيلة ، والمحجبة أو المنقبة سيدة فاضلة ، وبالتالي فغير المحجبة هي غير فاضلة ، أو في أفضل تقدير ، تنتظر الهداية لتصبح فاضلة . وما إلى ذلك من آلاف الظواهر التي تشبع تلك التحليلات البدائية نهم الجمهور المتعطش إلى فهمها وتفسيرها ، ولكنه للأسف شبع يؤذي ذلك الجمهور نفسه ويسبب له شعور كاذب بالامتلاء وانتهاء الجوع مما يدفعه لعدم البحث عن حلول أخرى لمشاكله مكتفيا بتلك الوجبات السريعة الرخيصة

فورا ، نحتاج إلى مجهود حقيقي من العقول العربية الواعية التي تمتلك – بجانب المعرفة السياسية والاجتماعية الواسعة – موهبة حقيقية في الشرح والتفسير بأبسط الألفاظ والدلالات والتراكيب ، وتقدر على استخدام طرق الكناية والتشبيهات والاستعارات التي جبل العقل العربي على عشقها ومن ثم فهمها وتصديقها ، بغض النظر عن مدى صدقيتها أو منطقيتها . وبجانب ذلك ، فالحل الأعمق والأكثر جذرية – واحتياجا للوقت والمجهود والإرادة – هو نسف طرق التعليم المتبعة في بلادنا وإبدالها بأخرى تؤدي – فيما تؤدي – إلى إنتاج مواطن عربي يكره التحليلات المبالغة في التبسيط والأحادية ويستعيذ بالله منها من ألف شيطان رجيم

1 comment:

Om Luji said...

Instead of it being a very serious issue, yet your sense of humour made me really laugh. It is true that we usually commit the mistake of analyzing things from the surface, without caring to gather enough facts or go into deeper layers of analysis. It's easier this way, and everybody can be an analyst and have audience at the end of the day. We lack the true devoted academic analysts, who care about saying the truth more than they care about pleasing the media and giving the people what they want to hear. Excellent post as usual.